السبت، 27 مايو 2017

بحث بعنوان استدامة الموارد البشرية والمالية والمادية للمنظمات الأمنية. نشر بمجلة الفكر الشرطي بالشارقة بالمجلد الخامس والعشرون العدد الثاني رقم 97 ابريل 2016م


استدامة الموارد البشرية والمالية والمادية للمنظمات الأمنية





المقدمة:
 حرصت الإدارة في القطاع الحكومي على تنمية المجتمع ورفاهيته. وقامت بالعديد من الوظائف من تخطيط وتنظيم ورقابة وتنسيق بين الهيئات والوزارات الرسمية المختلفة. وقد تشكلت في تلك الوزارات والمصالح الحكومية تجمعات تنظيمية بحسب الأهداف والمهام الموكلة لها وأطلق عليها المنظمات, وتضم جماعات رسمية وغير رسمية في بعض الأحيان, وتهدف من ذلك إلى التخصصية والشمولية والفاعلية في الخدمة المقدمة للمستفيد من مواطنين ووافدين, ورفع مستوى الرقابة على جودة المنتج ودرجة المتابعة على فعالية الأداء. (هال,2001م)
 ومن تلك المنظمات ما كان منها متخصصًا في أمن المجتمع وحمايته, وهي ما أطلق عليها المنظمات الأمنية وتعنى بالمهام المتعلقة بأمن الوطن ومقدراته, فهي تحافظ على الدين والنفس والمال والعرض والنسل, وهذه هي الكليات الخمس أو الضروريات الخمس في التشريع الإسلامي، وقد سنت عقوبات شرعية في حق من يتعدى على إحداها, وفق الشريعة الإسلامية ووفق القانون المعاصر,(عاشور,2004م) والذي يساعد في تطبيق تلك التعليمات، ويحاسب من يتجاوزها هم العاملون بالمنظمات الأمنية, ما يؤكد أهمية تلك المنظمات وحساسية مكانتها التنظيمية في الهيكلة التنظيمية في أجهزة الدولة, فمن غير منظمات أمنية فاعلة لن يمارس الأفراد مهامهم ويتمتعوا بحقوقهم والمجتمع يصبح في خوف وقلق يترتب عليهما ضياع الحقوق والاعتداء على الضروريات المكفولة.
 وقد اهتمت الحكومات في الدول التي تستشعر أهمية تلك المنظمات الأمنية بتأسيس المنظمات الأمنية المتنوعة بحسب ما تتطلب الظروف المعاصرة والمستجدة, من باب التحسب الوقائي والحماية السابقة للمجتمع ومقدراته وأفراده, ومن باب المتابعة اللاحقة للضبط والمساءلة بعد وقوع الجرائم أو الانحرافات. والمملكة العربية السعودية هي من أوائل الدول التي اهتمت بالأمن ومنظماته وما تقوم عليه من موارد مختلفة. فقد جعلت وزارة الداخلية مسئولة عن قطاعات الأمن التي تعنى بوضع ميزانيات تقديرية لها بشكل سنوي, وتضم وزارة الداخلية عدداً من المنظمات الأمنية المتخصصة في كل مجالات الأمن الشامل وهي موزعة على جميع مناطق ومحافظات ومراكز البلاد. (الموقع الإلكتروني لوزارة الداخلية) وقد تغلغلت هذه المنظمات الأمنية في حياة الناس من خلال تقديمها خدمات مهمة لهم خلاف ما عهدت عليه من دور تقليدي في حفظ الأمن والنظام، بل تجاوزته لتقدم للناس أعمال الإنقاذ وأعمال السلامة وأعمال الخدمات الاجتماعية المختلفة التي زادت من تعلق الناس بتلك المنظمات الأمنية. (حامد,2015م)
مشكلة البحث:
 المنظمات الأمنية لها موارد أساسية تساعدها في تحقيق أهدافها المنوطة بها, ومواردها تتمثل في الموارد البشرية والمالية والمادية. ولما نعانيه من صراعات دائرة في الوطن العربي، وبخاصة بعد الحراك المجتمعي أو ما أطلق عليه الربيع العربي. التي ألقت بظلالها على دول الخليج كمتغيرات سياسية واجتماعية بعد تزايد أعداد اللاجئين والنازحين إليها من ويلات الحروب والإرهاب الموجه لهم في تلك المناطق المضطربة. ولما لحق العالم اقتصادياً من الانخفاض الحاد لأسعار النفط وانعكاساته على احتياطات الدول المصدرة للنفط وتأثيره القوي على ميزانها التجاري وتسجيل نسب عجز متوقعة في ميزانيات هذا العام الحالي, ومن تلك الدول التي تأثرت بالمهددات السياسية والاجتماعية والاقتصادية التي يمر بها العالم العربي كانت دول الخليج العربي وبخاصة المملكة العربية السعودية. مما ينقل أثرها على تلك الموارد في بعض المنظمات الأمنية من ضعف أو قلة دعم من القيادات الإدارية لتلك المنظمات للظروف المحيطة بالبلاد بشكل عام.
 وبما أن المنظمات الأمنية في المملكة العربية السعودية تعتمد على الاعتمادات المالية من الصرف السنوي الذي يتقرر لهم من الميزانية العامة للدولة, التي ما زالت تدار بالفكر البيروقراطي الحكومي الجامد الذي لا ينظر إلى البحث عن البدائل التي تساعد المنظمات الأمنية على توفير إيرادات جانبية، فضلاً عن الاعتماد عما تخصصه الميزانية العامة لهم. ما سيعرقل عجلة الإبداع والتقدم بين صفوف قياداتها الشابة التي تريد البحث عن طرق جديدة تجعل من موارد المنظمات البشرية والمالية والمادية موارد مستمرة ذات استدامة وتغير في اعتمادها على رعوية الدولة لها لتكون مشاركة لها في تنمية نفسها من خلال ما يمكن أن توجده من طرق علمية حديثة. ويرى الباحث أن مشكلة البحث تتمحور في الإجابة عن التساؤل الرئيس الآتي: كيف يمكن استدامة الموارد البشرية والمالية والمادية في المنظمات الأمنية في المملكة العربية السعودية؟
تساؤلات البحث:
إن الإجابة عن التساؤل الرئيس تتطلب الإجابة عن التساؤلات الفرعية التالية:
1.  ما مفهوم استدامة الموارد في المنظمات الأمنية؟
2.  كيف نغرس مبادئ الولاء والانتماء في الموارد البشرية للمنظمات الأمنية ؟
3.  كيف نفعل الأوقاف والاستثمارات للموارد المالية للمنظمات الأمنية ؟
4.  كيف تسهم الأساليب الهندسية والتنظيمية في استدامة الموارد المادية للمنظمات الأمنية ؟
أهداف الدراسة:
1.                   التعرف على مفهوم استدامة الموارد في المنظمات الأمنية.
2.                   غرس مبادئ الولاء والانتماء في الموارد البشرية للمنظمات الأمنية.
3.                   تفعيل الأوقاف والاستثمارات للموارد المالية في المنظمات الأمنية.
4.                   إسهام الأساليب الهندسية والتنظيمية في استدامة الموارد المادية للمنظمات الأمنية.
أهمية البحث:
 تنبع أهمية البحث من أهمية المجال الذي يتناوله وهو المنظمات الأمنية التي تمس حياة كل فرد من أفراد المجتمع. كما أن البحث يقدم طرحاً لم يطرق من قبل (على حد علم الباحث) وهو استدامة موارد المنظمات الأمنية. ولما تضمه المحاور من أفكار جديدة في الإطار المعرفي والميداني بشأن المشكلة المدروسة. التي ستكون تمهيداً للطريق أمام الباحثين المهتمين بتنمية واستدامة المنظمات ومواردها.
منهج البحث:
 يعد هذا البحث من البحوث الوصفية الاستقرائية التحليلية التي يستعين الباحث في جمع معلوماتها وبياناتها بالمراجع العلمية والأدبية كالبحوث والدراسات العلمية السابقة، ومن خلال الدوريات والمواقع الإلكترونية الموثوقة التي تظهر في مراجع البحث؛ لذا يعد المنهج الوصفي بشقيه: الاستقرائي والتحليلي هو المناسب لطبيعة هذا البحث.
هيكلة ومحتويات البحث:
 يتكون البحث من أربعة مباحث: المبحث الأول: حول مفهوم الاستدامة في المنظمات الأمنية, والمبحث الثاني: عن الموارد البشرية في المنظمات الأمنية وكيفية استدامتها, والمبحث الثالث: عن الموارد المالية في المنظمات الأمنية وكيفية استدامتها, ثم المبحث الرابع: عن الموارد المادية وكيفية استدامتها, ثم بعد ذلك الختم بالتوصيات.
المبحث الأول: مدخل الاستدامة
 لم تعد المنظمات الأمنية مقصورة على ما يمس مصالح المجتمع وأفراده من خلال الدور التقليدي الذي استمرت تمارسه لعقود من الزمن في حفظ الأمن وتطبيق النظام ومكافحة الجريمة, فقد تغيرت تبعاً للتطور السريع الذي يمر به الإنسان في حياته, فقد أصبحت تسعى في مجمل أهدافها وغاية خططها إلى تحقيق الاستمرارية والاستدامة في جميع منتجاتها التي تقدمها لمجتمعها التي هي جزء منه في قوالب وأشكال متنوعة مع حفاظ على  الأمن وتطبيق النظام ومكافحة الجريمة، وهو ما يرجع بأثره على خططها وإستراتيجيتها في عملها على تحقيق التنمية المستدامة من خلال عملها الأمني. (حامد,2015م)
 لقد نادت المنظمات الدولية من خلال قرارات الأمم المتحدة والاتفاقيات الدولية إلى أهمية التنمية المستدامة, وأوصت بإلزامية الاستدامة على الدول والحكومات بجميع منظماتها، وأن تتخذها نهجاً لأعمالها ونشاطاتها. لذا أضحت غالبية المنظمات الحكومية والوزارات تطرح التنمية المستدامة ضمن إستراتيجيتها؛ إيماناً منها بأنها السبيل الوحيد نحو نمو متوازن يفي باحتياجات المجتمع وأفراده الحالية ضمن إطار يحافظ على حقوق واحتياجات الأجيال التالية في الحصول على مواردها التنموية بيسر وسهولة. (الموقع الإلكتروني لأكاديمية التنمية المستدامة)
 إن المنظمات الأمنية هي إحدى أهم ركائز المنظمات الحكومية, التي تسعى إلى تحقيق أهداف الاستدامة التنموية في المجتمع الذي تعيش فيه، وتمارس أهدافها فيه وتقدم خدماتها إليه. ولكن ما يلاحظ أن الاستدامة تقدم من المنظمات بشكل عام للآخرين في البيئة التنظيمية التي يعيشون فيها, وينقصها في بعض الأحيان تطبيقها للاستدامة في مواردها نفسها؛ ولأن الموارد التي تقوم عليها المنظمات هي موارد متعددة, لعل أهمها الموارد البشرية، وهم العاملون بالمنظمة الأمنية من موظفين مدنيين أو عسكريين مكلفين بمسئوليات ومهام المنظمة, فهم يمثلون روح المنظمة وحيويتها، فهم كالجسد للإنسان, وفي تنميتهم والاهتمام بهم دور مهم في استمرارية أداء المنظمات الأمنية التي يعملون بها. وكذلك تساعد المنظمات في تحقيق أهدافها من خلال الاندماج بها وتبني أفكارها ومعتقداتها الإدارية والفكرية. ثم الموارد المالية التي هي عصب حياة المنظمة , التي من خلال توفراها تدعم المنظمة بكل احتياجاتها من موارد بشرية ومادية ومعنوية لتؤدي الواجبات المكلفة بها وتحقق الأهداف المنوطة بها. وفي الغالب تحصل المنظمات الأمنية على مواردها المالية من الميزانية السنوية التي تعلن وتخصص لمجال الأمن والدفاع في السياسة المالية الرعوية التي تطبقها الحكومات العربية والخليجية، ومنها المملكة العربية السعودية، وهذا الأسلوب التقليدي الذي يمارس من تأسيس تلك الدول واستقلالها. ثم الموارد المادية التي تتكون منها المنظمات الأمنية المتمثلة في المباني والبنى التحتية والمنشآت والدور والقاعات كمقار ومعسكرات وثكنات للمنظمات الأمنية والأجهزة والمعدات والآليات والمركبات وأيضاً وسائل التقنية والاتصالات والبرمجيات والمستلزمات العينية التي تساعد المنظمات والعاملين بها على ممارسة الأدوار الموكلة إليهم. (النمر وآخرون,2011م)
وهنا يقصد بالمنظمات الأمنية(Security Organizations) هي كل منشأة أو تنظيم له تشكيل بشري, وحدود مكانية تشتمل على مباني وتجهيزات تضمن أدوات ومعدات, ومستويات إدارية, وهيكلة تنظيمية, وعلاقات واتصالات, يمارس به العاملون وظائف حفظ الأمن وتطبيق النظام وتحقيق العدالة ومكافحة الجريمة وكل ما منه توفير حماية وسلامة المجتمع بكامل أفراده وممتلكاته, من خلال إجراءات وتدابير وقائية سابقة أو ضبطية لاحقة أو عقابية رادعة.
مفهوم الاستدامة
 لقد واجه العالم منذ أواخر القرن الماضي عددًا من التحديات المختلفة التي جعلت العالم يبحث عن فكر إداري وتنموي جديد يساعده على مواجهة تلك التحديات والخروج من تلك المصاعب, ولعل أبرز هذه التحديات التي واجهت العالم، وبخاصة عالمنا النامي هـي: تحديات التنمية, فمع مرور الوقت ظهرت الكوارث البيئية والاجتماعية والاقتصادية وتفاقمت الحروب والصراعات في بعض الدول النامية ,ما أثرت به على البنى التحية وظهور العشوائيات في المخططات العمرانية والمدنية وما لحق بها من عشوائية الإدارة وانعدام الصيانة والمتابعة للمنشآت الإستراتيجية والحيوية. الذي تسبب في تعطل جزء كبير من صادرات تلك المنشآت التي كانت مورداً مالياً لميزانيات تلك الدول المواجهة لتلك الأزمات, وما نتج عنه من توقف لعجلة النمو في مجال التعليم والصحة والثقافة وغيرها من مجالات الحياة الحضرية. ما تطلب من القائمين على التخطيط التوجه إلى عمليات تنمية جديدة ومستمرة لا تتوقف مع توقف بعض المجالات لينعم الإنسان بحياة كريمة وهانئة. فاتجهت تلك القيادات الإدارية إلى جذب المنظمات إلى أساليب إدارية حديثة توفر تلك الطلبات التي تجعل اهتمامها الإنسان وكرامته فظهرت التنمية المستمرة أو الاستدامة. إن مفهوم الاستدامة (Sustainable) لا ينحصر في علاقة التنمية بالبيئة الطبيعية فحسب، بل إنه يتعدى ذلك إلى علاقـة التنمية بالأبعاد الاقتصادية والاجتماعية والسياسية (راشد,2005م),
 ومن ذلك يمكن تعريف الاستدامة بأنها ذلك الفكر الإداري الجديد الذي يسعى إلى استمرارية المنظمات في تحقيق أهدافها وبقاء مواردها البشرية والمالية والمادية, تقدم ما يطلب منها مع تفاوت الظروف البيئية المحيطة بها.
تطبيقاتها الاستدامة في المنظمات الأمنية:
 إن المنظمات الأمنية لها خصوصيتها عن باقي المنظمات الحكومية الأخرى, ولها مواردها التي تقوم عليها كركائز تدعم بقاءها وتزيد قدرتها على الوفاء بما يرتقب منها تجاه العاملين بها وتجاه المجتمع بجميع شرائحه. ولنقل: إن المنظمات الأمنية تحقق الاستدامة في نفسها، وفي دورها الذي تقوم به للمجتمع, فإنه يتطلب مضاعفة جهودها وقدرتها لتكون قادرة على مواجهة الأزمات التي تهددها أو الكوارث التي تتحداها. وموارد المنظمات الأمنية متعددة كما أسلفنا، ولكن سنركز على أهمها وهي ثلاثة موارد نتطرق إليها بالتفصيل في المباحث التالية عن الموارد البشرية, والموارد المالية, والموارد المادية.
المبحث الثاني: غرس مبادئ الولاء والانتماء في الموارد البشرية في المنظمات الأمنية.
 في هذا المبحث يركز الباحث على الموارد البشرية (Human Recourses) في المنظمات الأمنية، فيتطرق للعناصر والأساليب والوسائل التي يمكن أن يقوم بها القائمون على المنظمات الأمنية, لتتحقق الاستدامة لتلك الموارد البشرية. بمعنى كيف نجعل المنظمات الأمنية ذات موارد بشرية مستمرة الإحلال والعمل دائمة الأداء فاعلة النتيجة محققة للغاية ملتزمة بالمسئوليات منتمية بالفكر مرتبطة بالولاء لها؟
 بعد ذلك نكون قد أوجدنا موارد بشرية حالية ومستقبلية لتلك المنظمات الأمنية, لا تهتز قيمهم ولا تنهزم عزائمهم، طموحهم عال ونظرتهم مندمجة مع الخطط الإستراتيجية لمنظماتهم, والعناصر التي تساعد في تحقيق استدامة الموارد البشرية في المنظمات الأمنية متعددة , وسوف نقتصر على ثلاثة عناصر منها الشمولية والجدوى عند التعمق في عرضها وبعد صقل الموارد البشرية بالمنظمات الأمنية بها,(ماهر,2012م) وهي لا تخرج عن العقيدة الدينية والمشاعر الوطنية والسلوك التنظيمي, إن أعيدت صياغتها بأسلوب سهل مبسط شامل ومكتمل، ما يساعد على تنافس الموارد البشرية على الالتحاق بالمنظمات الأمنية, وعلى التشبث بالبقاء بها, وتحارب من أجل استمراريتها بها, وجلب أبنائها من بعدها لتواصل مسيرتها في تلك المنظمات الأمنية, وبعيداً عن الاغتراب أو التسرب الوظيفي منها, ونتطرق لكل عنصر في محور مستقل وفق التالي:
 المحور الأول: تعزيز القيم الدينية والتقيد بها.
 المبادئ الإسلامية هي ما يقصد بالقيم الدينية (Religious Values), فالإسلام دين صالح لكل زمان ومكان ينظم ما سبق وما سيلحق, فهو دين تفرد بتفاصيل الحياة العلمية والعملية, فوضع العلاقة بين الموظف ووظيفته علاقة شرعية ملزمة للطرفين أوثق من العقد الذي نشاهده اليوم يحكم علاقة العامل برب العمل, فاعتبر العقد عهدًا وميثاقًا شرعيًّا دينيًّا، الإخلال به إخلال بمعتقد ثابت وقدح في عقيدة عدم الموفين به, يقول تعالى: (وأوفوا بالعهد إن العهد كان مسئولاً) سورة الإسراء:34.
 كما جعل من الوظيفة العامة واجبًا دينيًّا، له ثواب وعقاب من الله في الدنيا والآخرة, فالوظيفة التي يكلف بها الفرد مهما كانت مهامها ومهما كانت أهميتها ومهما كان موضعها في الهيكل التنظيمي فقد ربطها الإسلام بالأمانة والمسئولية وبرقابة الله لما يقوم به, هل كان عمله خيرًا، فأدى أمانته أم شراً، فخان أمانته. يقول الله تعالى: (وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون وستردون إلى عالم الغيب والشهادة فينبئكم بما كنتم تعملون) التوبة:105.
 لذا فالأمانة (Honesty) مطلوبة من كل من ولي أمراً من أمور الدولة، وعليه أن يراعي أمانته من بداية اختياره واستقطابه للعاملين معه في المنظمة التي يكلف فيها بعمليات الاستقطاب والاختيار، ومن ثم التعيين بعد اختباره ثم تدريبه وتنمية مهاراته. لنستشعر حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قال لعبد الرحمن بن سمرة (لا تسأل الإمارة فإنك إن أعطيتها عن مسألة وكلت إليها. وإن أعطيتها من غير مسألة أعنت عليها....) رواه مسلم-1652 (أبو سن, 1418هـ)
 لقد حث الإسلام على الرقابة الذاتية (Self-Censorship) للموظف فهو من يحاسب نفسه إذا قصر في وظيفته, ويحث نفسه ويستزيدها من كل عمل وظيفي حسن, ويجمحها عن كل خطيئة أو زلل. فتبدأ الرقابة على الموظف من ضميره الحي الذي يرعى الله في كل خطوة يخطوها يقول سبحانه وتعالى: (إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسئولاً) سورة الإسراء:39. والفؤاد هنا يقصد به الفكر أو التفكير. ويقول سبحانه وتعالى: (ولتسألن عما كنتم تعملون) النحل:93، ويقول سبحانه: (كل نفس بما كسبت رهينة) المدثر:38.
 وللإسلام وقفات مع الموظف، فيحافظ على كل حقوقه حتى يتمكن من أداء مهامه بصدق وتفانٍ, ومن تلك الحقوق: حق الكرامة (Dignity) والحرية (Freedom) المنضبطة بالدين وبالأطر الإسلامية السمحة. كما يكفل له الإسلام حق المساواة (Equality) في الحقوق مع غيره من العاملين الذين معه في تلك المنظمة, فالناس سواسية أمام القانون في ظل الشريعة الإسلامية، يقول تعالى: (إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى) سورة النحل:90. وكفل له حق الأجر المكافئ (Fair pay) للعمل المنوط به, وشدد الإسلام على ضرورة استمرارية صرف أجورهم وفق الفترة الزمنية المتفق عليها بين رب العمل والموظف, وطالب الإسلام بعدالة تلك التقديرات المالية؛ لكي لا يبخس شيء من حق الموظف، ما قد يضطره إلى التوجه إلى بعض الأعمال الأخرى التي تكون سلباً عليه في أدائه لوظيفته المكلف بها في الأصل. كما يحرص الإسلام على عدم إرهاق الموظف في العمل أو استغلاله وتسخيره دون دفع الأجر العادل له والمناسب مع طبيعة العمل.
 إن الإسلام كفل حق السمع والطاعة (Obedience) من العاملين بالوظيفة العامة لرؤسائهم لتنظيم سير أعمالهم في منظماتهم التي يعملون بها. فحرص عليها الإسلام وقرن بين طاعة الرؤساء والمسئولين والمشرفين في المنظمة الذين هم ولاة الأمر في الآية وبين طاعة الله وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم, يقول تعالى: (يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله ورسوله وأولي الأمر منكم) سورة النساء:59. ومن الطاعة للمسئولين ما يلاحظ على الموظف من توافق أهدافه مع أهداف منظمته لنصل بعدها إلى أعلى درجات التوافق بينهم وهو الانتماء التنظيمي للمنظمة, فيصبح الفرد مخلصاً في عمله ناصحاً في قوله صادقاً في معتقده، فتتحقق له درجة الولاء والانتماء للمنظمة التي يعمل بها.
 كما حفظ الإسلام للموظف حق التظلم (Plaint) ورفع الشكوى عن مظلمته إلى رؤسائه حول ما يقع عليه من خطأ جسدي أو معنوي, أو ما يصرف من أجر أقل مما يستحقه, أو إذا انتقضت كرامته أو أسيئ إليه دون وجه حق من قبل مسئوله الإداري, فلا يكلف بما لا يطيق يقول سبحانه وتعالى: (لا يكلف الله نفساً إلا وسعها) سورة البقرة:286. ما جعل الكل سواسية كأسنان المشط أمام العمل, يكرم المجتهد ويحاسب المقصر, فتجلت أسمى صور الشفافية والوضوح التي ينادي بها كتاب ورواد الإدارة في العصر الحالي. (المطيري,2010م)
 وعن التدريب (Training) والتعليم (Education) لمنسوبي المنظمة من موظفين وعاملين بها، فقد كفله الإسلام وشجع عليه, يقول الله سبحانه وتعالى: (وقل رب زدني علماً) سورة طه:114. وفي تشجيع الموظف على البحث عن أفضل الحلول فيما يواجه من مشكلات ومعوقات يومية يقول سبحانه: (الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه أولئك الذين هداهم الله وأولئك هم أولو الألباب) سورة الزمر:18. فالتدريب في المنظمات وفق النظرة الإسلامية يؤخذ بأمانة وينقل للغير بأمانة أيضاً, وفيه احتساب للأجر من الله سبحانه قبل الحصول على المكافأة المادية من الوظيفة, يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (من سن سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة) رواه جرير بن عبد الله في صحيح ابن خزيمة-2477. من ذلك فالموظف القديم لا يختزل شيئًا لديه، بل ينقله لمن يأتي من بعده من الموظفين الجدد ويتأكد من إلمامهم بتفاصيله. (أبو سن,1418هـ)
 ومن هنا تظهر لنا أهمية انتماء (Affiliation) الموارد البشرية لمنظماتهم وخصوصاً الأمنية منها, كما تجلت لنا أهمية القيم الإسلامية الكثر التي لا يسعنا المقام لتعدادها أو التفصيل في شرحها, والتي يتحقق منها اندماج كلي بين الموارد البشرية وبين مهامهم التنظيمية فيصبح لدى المنظمة الأمنية أفراد امتزجت عقيدتهم بالولاء لتلك المنظمة ليحققوا تعاليم الإسلام وليؤدوا الأمانة التي وكلت بهم ولينجوا من عقاب ربهم في الدنيا والآخرة إنهم أخلوا بالأمانة والعهد. ومن ذلك تصبح إدارتك كمدير لمثل تلك الموارد البشرية سهلة جداً؛ لأنك تملك زمامها وتوجهها كيفما تريد منها، في صالح المجتمع والمنظمة, وتنتقل مثل تلك المعتقدات للأجيال القادمة من بعدهم, باستخدامهم لأساليب التعليم المتواتر المنتقل بين السلف والخلف من موارد تلك المنظمات الأمنية, مما يكون لأولئك العاملين تأثيراً على مجتمعهم الذي يعيشون فيه كمحيط أسرهم وحتى أصدقائهم وزملائهم, فتنقل لهم تلك الثقافة الحسنة والصورة الجميلة عن منظماتهم حول الطمأنينة والاستقرار الوظيفي والكرامة التي يشعرون بها في تلك المنظمات الأمنية والمؤطرة بالدين الحنيف, كما تنتقل بعد ذلك لتعم المجتمع بشكل كامل، فتتوارثه الأجيال، ما يجعل منه مع مرور الزمن خطوات وإجراءات تمارس وتطبق بأسلوب مستمر يحقق من خلاله الاستدامة للموارد البشرية. (المطيري,2010م)
 المحور الثاني: التشجيع على الانتماء الوطني والحث عليه.
 لم يعد الصراع في العصر الحالي بين الدول صراعاً تقليدياً مسلحاً، فقد أصبح صراعاً حضارياً وثقافياً واستقطاباً فكرياً، وذلك في محاولة لاجتذاب الشباب إلى مغريات كثيرة في ظل الواقع الذي يعيشونه, لذلك تهتم الدول بالعمل على تحصين شبابها وحقنهم سياسياً واجتماعياً وثقافياً وتنظيمياً من خلال تأكيد  الهوية الوطنية والتعميق للشعور بالانتماء والولاء للوطن ومنظماته، بعد أن أضحى التركيز على خيارات الفرد المطلقة مرجعًا للخيارات الحياتية والسياسية والتنظيمية اليومية وسيطرة النزعة الذاتية على الأفراد واللامبالاة والتجاهل، وبوادر الانفصام بين المواطن والدولة، وذوبان الهوية الثقافية، وإضعاف لقيم الانتماء والولاء للوطن، ومن ثم زعزعة قيم المواطنة لدى الشباب. (صقر,2010م)
 إن الوطنية (Patriotism) والمواطنة (Citizenship) مأخوذة في العربية من الوطن وهو المنزل الذي يقيم فيها الفرد سواء ولد فيه أم لم يولد، قال الله تعالى: " لقد نصركم الله في مواطن كثيرة..." سورة التوبة:25. أما في الاصطلاح فقد عرفت الوطنية بأنها "حب الوطن في إشارة واضحة إلى مشاعر الحب والارتباط بالوطن وما ينبثق عنها من استجابات عاطفية، أما المواطنة فهي صفة المواطن التي تحدد حقوقه وواجباته الوطنية ويعرف الفرد حقوقه ويؤدي واجباته عن طريق التربية الوطنية". (العامر,2005م,ص9) وتتميز المواطنة بنوع خاص من ولاء المواطن لوطنه وخدمته في أوقات السلم والحرب والتعاون مع المواطنين الآخرين عن طريق العمل التنظيمي والفردي الرسمي، وكذلك العمل التطوعي في تحقيق الأهداف التي يصبو لها الجميع وتوحد من أجلها الجهود وترسم الخطط وتوضع الموازنات.
 إن التأصيل النظري لمفهوم الوطنية أو المواطنة والانتماء يبين أن المواطنة هي الدائرة الأوسع التي تستوعب مختلف الانتماءات في المجتمع وتضم المعايير التي تلزم الأفراد بواجبات والتزامات معينة تحقق الاندماج والتمازج في تحقيق مصالح الأفراد والوطن وتحقق أهدافها الوطنية من خلال منظمات الوطن المختلفة. في حين يشير مفهوم الانتماء إلى الانتساب لكيان ما يكون الفرد متوحداً معه مندمجاً فيه، باعتباره عضواً مقبولاً وله شرف الانتساب إليه، ويشعر بالأمان فيه، وقد يكون هذا الكيان جماعة، أو منظمة، أو وطنًا، وهذا يعني تداخل الولاء مع الانتماء الذي يعبر الفرد من خلاله عن مشاعره تجاه الكيان الذي ينتمي إليه. (العامر,2005م)
 إن مفهوم المواطنة يحمل تحت طياته مشاعر الحب والولاء والانتماء، بما يعني حب الوطن والأرض، والفخر بالتراث والحضارة، وتتجلى مظاهرها في الالتزام بالمسئوليات والواجبات، واحترام القوانين والمعايير السائدة في الوطن، والتوحد معه، والعمل على حمايته، والدفاع عنه وقت الأزمات بكل غالٍ ونفيس حرصاً على تماسكه ووحدته واستمرارية بقائه وسلامته,(صقر,2010م) فالمواطنة تخرج منها تفريعات أقل تكويناً من الوطن الشامل، ومن باب المواطنة والوطنية أن يظهر ذلك الشعور بالولاء لمثل تلك الكيانات وهي المنظمات التي ينتمي لها المواطن ولعل من أهمها المنظمات الأمنية التي يعول عليها حفظ أمن الوطن وسلامة ترابه من كل اعتداء أو تخريب, فمن واجب المنتمي لمثل تلك المنظمات من المواطنين أن تكون لديه وطنية وانتماء وولاء لتلك المنظمات الأمنية التي هي ركيزة في أركان الوطن الكبير.
 ومن هنا فإن على القائمين على المنظمات الأمنية العمل وبشكل دؤوب على غرس قيم المواطنة وتعزيز روح الانتماء والولاء لمنظماتهم وأوطانهم بين الموارد البشرية في المنظمات الأمنية, والربط برباط متين بين الانتماء للمنظمة الأمنية والانتماء للوطن والدفاع عنه. وبذلك يكون هناك توافق وتمازج وانصهار بين أهداف المنظمات الأمنية وأهداف الموارد البشرية التي تسعى إلى تحقيقها. مما يترتب على ذلك تعزيز للولاء واستدامة في الموارد البشرية بتلك المنظمات الأمنية, ونقل للولاء والانتماء بين الموارد البشرية المتقاعدة إلى الجيل الذي يعقبهم من خلال التدريب وعقد الندوات والدورات والبرامج التدريبية التي تعزز ذلك الشعور وتغرسه في مواردها البشرية. (الطراونة,2012م)
المحور الثالث: محفزات سلوكية وتنظيمية.
 تعد استدامة الموارد البشرية في المنظمات الأمنية مطلبًا تنشده تلك المنظمات كما ينشده غيرها من المنظمات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والثقافية, فالعنصر البشري يشكل أحد أهم العناصر التنظيمية في العمل التنظيمي؛ إذ يحدد مدى نجاح المنظمة الأمنية في قدرتها على استدامتهم وقدرتها على تحقيق أهدافها في رفع مستوى كفاءة وحماس وتفاني الموارد البشرية في أداء أعمالهم وواجباتهم الوظيفية الموكلة لهم. (حمزاوي,2008م) في هذا المحور سيكون الحديث عن الموارد البشرية من الناحية التنظيمية والسلوكية, فنتطرق للقيادة التنظيمية من خلال قدرتها على إدارة الموارد البشرية العاملين معها في المنظمة الأمنية من خلال الذكاء العاطفي, والعمل على تحقيق الحاجات النفسية للعاملين, ثم القيم التنظيمية بالمنظمة الأمنية التي تساعد على استدامة مواردها التنظيمية, يليها تعزيز سلوك المواطنة التنظيمية والمسئولية الاجتماعية للمنظمة الأمنية والعاملين بها, ونختم ببرامج صيانة الموارد البشرية التي يهتم بها العاملون بالمنظمات الأمنية.
 إن الذكاء العاطفي (Emotional Intelligence) هو قدرة القائد على التعرف على شعوره الشخصي وشعور العاملين بمنظمته, واستخدامه في مضاعفة إنتاجية العاملين للأدوار المكلفين بها. (توفيق, 2009م) كما أنه قدرة القائد على معرفة عواطفه معرفةً تامَّة، وقدرته أيضاً على معرفة عواطف الآخرين، بحيث يستطيع هذا الشخص التعامل مع نفسه ومع الآخرين عن طريق التنقل بين عواطفه هذه والتعبير عن انفعالاته بما يتناسب مع المواقف التي تواجهه في قيادته لمنظمته. ومن هنا كان لزاماً على مديري وقادة المنظمات الأمنية العمل الدؤوب لاكتساب مثل تلك المهارات والسلوكيات المساعدة لهم في حسن التعامل مع مواردهم البشرية. ومنها يتعرفون على دوافع العاملين معهم وميولاتهم ورغباتهم وحاجاتهم، والعمل على تحقيقها بالشكل والأسلوب الذي لا يتعارض مع إمكانات المنظمة وأهدافها، ولا يسبب تمييزاً أو عدم مساواة في التعامل مع العاملين عامة، إن إمكانية القائد في المنظمة الأمنية على الإسهام في تحقيق حاجة من حاجات الموارد البشرية العاملين معه لها دور مهم في أدائهم لمهامهم وواجباتهم, وكلما كانت الحاجة في بداية حاجات سلم ماسلو كانت أكثر أثراً وأنفع دوراً في تنمية ولائهم للمنظمة الأمنية. (جولمان,1998م)
 إن المنظمات الأمنية لها كما لغيرها قيم تنظيمية (Origination Values)خاصة بها تعكس الخصائص الداخلية لها, وتعبر عن فلسفتها وتساعد على تحقيقها لأهدافها, وتوفر الخطوط العريضة لتحفيز وتوجيه سلوك مواردها البشرية, كما تؤدي تلك القيم التنظيمية لها إلى ضبط سلوك العاملين بها على مختلف مستوياتهم الإدارية, وتعمل على توافقها مع رؤيتها ورسالتها التي تسعى إلى تحقيقها.(أبوقرعة,2012م). والقيم التنظيمية أثرها كبير في المنظمات الأمنية، فتؤثر في سلوك عامليها وعملية اتخاذ القرارات والالتزام بالمنظمة, فالإيمان والتحلي بالقيم التنظيمية في المنظمات الأمنية من قبل مواردها البشرية يزيد تأثيرها في سلوكياتهم، ما يزيد من التزامهم وتمسكهم بالمنظمة التي يعملون بها, (الصميلي,2015م). والقيم التنظيمية كثيرة في المنظمات الأمنية وسنسرد أكثرها شيوعاً في المنظمات الأمنية على اختلاف مهامها ومنها: قيمة العدالة وهي الطريقة التي يحكم من خلالها الفرد على عدالة الأسلوب الذي يستخدمه المدير في التعامل معه على المستويين الوظيفي والإنساني، ولها أشكالاً منها: العدالة في الإجراءات والتوزيع والتعاملات , وقد تألقت هذه القيمة في الفكر الإسلامي، حيث عدت القيمة العليا المتحكمة في جميع المجتمعات, التي في توافرها في المنظمة الأمنية ما يرفع من مستوى الرضا الوظيفي والشعور بالمساواة والانتماء لتلك المنظمة (عساف,2005م). قيمة الأمانة: وهي صفة يترتب عليها حفظ العهد في المنظمة، مما يعد نقضه خيانة وفق أصولٍ ثلاثة: هي حفظ السر وعدم الاستغلال وعدم الكذب, وهي في المنظمات الأمنية أكثر تأكيداً ليشعر العاملون بأهمية ما يقدمونه للمجتمع من مهام تتطلب منهم الأمانة في التعامل بينهم داخل المنظمة الأمنية، ما يرفع من انتمائهم وحرصهم على تلك المنظمة الأمنية (الهلالي,2006م). قيمة النزاهة: وهي يقظة الضمير الإنساني الحي والبعد عن الطمع وتجنب السعي لتحقيق مصالح فردية على حساب مصالح المنظمة، وفيها تطبيق لمخافة الله في السر والعلن, وفي المنظمات الأمنية توافر النزاهة بين الموارد البشرية على مختلف المستويات الإدارية محفز على الارتياح في مواصلة العمل بتلك المنظمة. (الكبيسي,2011م). قيمة التعاون: وهي صفة العمل الجماعي وبروح الفريق الواحد في أداء العاملين بالمنظمات الأمنية للمهام الموكلة إليهم , ما يزيد من رابط الأخوة بين الموارد البشرية في المنظمة ويلغي التنافس السلبي والصراع التنظيمي, وهذا بلا شك يعزز من صفة المشاركة والمحبة بين الموارد البشرية ويرفع من الروح المعنوية بينهم ويتيح الفرصة لهم للمشاركة في اتخاذ القرارات ويزيد من انتمائهم لمنظمتهم الأمنية (الصميلي,2015م). قيمة الثقة: وهي إيمان الموظف بأن المنظمة التي يعمل بها ستلتزم بوعودها وستتخذ إجراءات لصالح الموظف أو على الأقل لا تلحق الضرر به (رشيد,2003م) من هنا تكون الثقة في المنظمة قيمة مهمة في جذب الموارد البشرية للمنظمات الأمنية والمحافظة عليهم فيها, ولها دور مهم في زيادة الإنتاجية والمشاركة في القرارات الإدارية بالمنظمة، ما ينعكس إيجاباً على مستوى الأداء وعلى سلوك الرضا والانتماء والالتزام للموارد البشرية بالمنظمة الأمنية.
 وأما تعزيز سلوك المواطنة التنظيمية (Organizational Citizenship Behavior) في المنظمات الأمنية الذي يعرف بأنه: ذلك السلوك الاختياري التطوعي والخارج عن نطاق الدور الرسمي الذي تقوم به الموارد البشرية من أجل خدمة أهداف المنظمة الأمنية دون توقع أو انتظار للحصول على مقابل مادي أو حوافز مالية عن ذلك العمل, ولهذا السلوك التطوعي دور كبير في رفع مستوى كفاءة المنظمة الأمنية وفي زيادة فاعليتها, كما تحد من التسرب الوظيفي للعاملين بها, وتزيد من رفع الروح المعنوية لمواردها البشرية, ما يوجد شعوراً لديهم بارتياح وحرص على البقاء بتلك المنظمات الأمنية (القحطاني,2014م).
 إن المسئولية الاجتماعية (Social Responsibility) التي عرفها البنك الدولي لمنظمات الأعمال: "بأنها التزام أصحاب النشاطات التجارية بالإسهام في التنمية المستدامة من خلال العمل مع موظفيهم وعائلاتهم والمجتمع المحلي لتحسين مستوى معيشة الناس بأسلوب يخدم التجارة والتنمية في آن واحد". (السكارنة,2011م,ص162) كان لها دور في استمرارية مواردها بها وتشجيع لأفراد المجتمع للتعامل مع تلك المنظمات ذات الإسهامات البناءة في مجتمعهم, وكان ذلك أكثر وضوحاَ في الدور الاجتماعي المهم الذي تمارسه المنظمات الأمنية في مجتمعاتها الذي تجاوز الإسهامات الملموسة والمادية التي تعود على أسر العاملين بتلك المنظمات، وما يقدم لهم ولذويهم من برامج تنموية متعددة, فالمنظمات الأمنية تقدم خلاف ذلك إسهامات معنوية وغير ملموسة تتمثل في الأمن والطمأنينة والسكينة العامة للمجتمع بجميع شرائحه, وهذه الميزة هي ما تعزز استدامة الموارد البشرية بتلك المنظمات الأمنية.
 لقد ظهرت برامج صيانة الموارد البشرية (Maintenance of Human Resources) في الفكر الإداري بعد التأكد من أن المعتقدات القديمة التي كانت تحدد الأجر الشهري أو ما يدفع من مقابل مادي للعامل هو المؤثر الوحيد في علاقة العامل بمنظمته، ولا يبحث عن شيء خلافه, إلا أن الدراسات التالية للحرب العالمية الثانية على المنظمات أظهرت وجود عوامل أخرى مؤثرة في تلك العلاقة, ومنها ما أطلق عليه مصطلح صيانة الموارد البشرية التي عرفت بأنها ما يقدم من مختلف الخدمات الاجتماعية والصحية المجانية أو المدعومة مع توفير الأمن الصناعي والارتفاع بالمستوى الاقتصادية والمعاشي للعاملين ووضع البرامج الكفيلة بتحسين مستويات الأداء والتطور أو التنمية الوظيفية (العزاوي ونجم,2013م), وفي المنظمات الأمنية يظهر جلياً ما يتم من مثل تلك البرامج الإضافية التي تستفيد منها الموارد البشرية بتلك المنظمات الأمنية ومن يعولون من والديهم وأسرهم والعاملين لديهم من وافدين, فالرعاية الصحية المجانية متاحة لهم وعلى أرقى المستويات الطبية والتأمين الطبي والاجتماعي والتأمين على المركبات بشكل مجاني لمنسوبي القطاعات الأمنية, والأندية الرياضية والثقافية للأفراد والأسر, والمكافآت الموسمية للمشاركة في المهام الموسمية كالحج والعمرة والزيارة للحرمين الشريفين ومهام العمل في الصيفيات, وبدلات الإجازات والتذاكر للإجازات السنوية للأسرة, وتوفير كل مستلزمات الأمن والسلامة للعاملين بكل مواقعهم الميدانية والمكتبية, وخدمات التعليم الحكومي في مدارس خاصة بأبناء العاملين بالمنظمات الأمنية مع توفير وسائل النقل والمواصلات لهم, وتأمين السكن المناسب والقريب من مقرات أعمالهم والمشتمل على المجمعات التجارية والتسويقية المناسبة لهم, التي تضم المناطق الترفيهية والسياحية للعاملين وأسرهم وزوارهم. كل ذلك له أكبر الأثر في تنمية الشعور بالانتماء لدى الموارد البشرية العاملة في تلك المنظمات الأمنية وزيادة الولاء التنظيمي لها, ما يساعد في استدامة الموارد البشرية في المنظمات الأمنية. (Decenzo and Robbins,1999 )
 ولا ننسى عنصر التأهيل والتدريب الذي تقدمه المنظمات الأمنية لمواردها البشرية طوال فترة عملهم بها. فيُمكنون من الالتحاق بالدورات والبرامج الخارجية والداخلية على مختلف المستويات للرفع من مستواهم المهاري والمعرفي. والمستغرب هو ما يحصل من تسرب وظيفي لأولئك المؤهلين، سواءً أكان بالتقاعد المبكر أو بالتحول لمنظمات حكومية أو خاصة أخرى, بعد أن أصبح ذلك الفرد شخصاً يشاد به ومؤهلاً بالشكل الذي خططت له منظمته أن يكون عليه، فدفعت مبالغ طائلة في سبيل تدريبه وتطويره. وفي هذه المعضلة قد يكون وجود عقد ملزم من بداية التحاق الشخص بالمنظمة الأمنية, خصوصاً ما كان منها ذا خصوصية وحساسية وسرية عالية, وأن يكون العقد ملزمًا بعدد من السنوات لا يحق للموظف المطالبة بالإعفاء أو التقاعد المبكر خلاله (ماهر,2012م) إلا ما كان تقاعدا ًمرضياً أو لمصلحة عامة. وبهذا تكون المنظمات الأمنية قد حافظت على الكفاءات البشرية المؤهلة من التسرب لغيرها. وهذا هو نوع من الاستدامة للمؤهلين والفاعلين بالمنظمات.(الجازي,2004م)
المبحث الثالث: تفعيل الأوقاف والاستثمارات الريعية للموارد المالية للمنظمات الأمنية.
في هذا المبحث سيكون الحديث عن الموارد المالية في المنظمات الأمنية وكيفية استدامتها. حيث يتطرق الباحث إلى أسلوبين وطريقتين اقتصاديتين, هما من أكثر الطرق فائدة ومردودًا في توفير السيولة المالية التي تساعد تلك المنظمات الأمنية وغيرها من المنظمات الأخرى على الإدارة والتنمية والرقي والتوسع, وهذان الأسلوبان هما الوقف والاستثمار, حيث نوردهما في أربعة محاور, فنبدأ بالوقف ونوجز مفهومه ومشروعيته ثم تطبيقه ليحقق مردوداً على المنظمات الأمنية , يعقبه الاستثمار، مفهومه وأهداف مشروعيته, يليه كيفية الاستفادة بطرق استثمارية حديثة يعود ريعها لصالح المنظمات الأمنية.
المحور الأول: الوقف: مفهومه ومشروعيته:
الوقف (Endowment) مصطلح فقهي إسلامي اقتصادي تكافلي, لم يعرف بهذا الاسم إلا في الإسلام وبقي حتى عصرنا الحاضر محتفظًا به مطبقاً لمعناه. وقد عرف الوقف بأنه: "تحبيس مالك التصرف المطلق ماله المنتفع به, مع بقاء عينه, بقطع تصرف الواقع وغيره في رقبته, ويصرف ريعه إلى جهة بر تقرباً إلى الله تعالى" ومنه قالوا: إن الوقف "تحبيس الأصل وتسبيل المنفعة" (أبا الخيل,2008م,ص10). وقد شرع الوقف منذ العهد النبوي الشريف، فنزلت فيه أدلة تحث عليه وتباركه في القرآن الكريم وفي السنة النبوية, منها قوله سبحانه وتعالى: (لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون...) سورة آل عمران:92. وقوله صلى الله عليه وسلم: (إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية, أو علم ينتفع به ,أو ولد صالح يدعو له ) (رواه مسلم-1631). وقد قال العلماء: إن الصدقة الجارية هي الوقف كما قال به النووي في شرحه لصحيح مسلم 11/85. وقد أوقف نبينا الكريم صلى الله عليه وسلم أمولاً ومزارع مما ورثه، ومما أفاء الله عليه في أطراف المدينة المنورة. (أبا الخيل,2008م)
 وللوقف أنواع في مسألتين: المسألة الأولى: هي أنواع الوقف من حيث استحقاق منفعة الوقف وهما قسمان:
الأول: الوقف الأهلي أو الذري وهو ما كان منفعته مخصوصةً في الأهل والذرية فيعود نفع الموقوف لمن أراد الواقف برهم من أقاربه, سواء أكان شخصاً أم جماعة معينة.
الثاني: الوقف الخيري وهو ما كان منفعته لجهة بر أو جهة خيرية مما يتعلق به مصالح جميع الناس في بلد أو بلدان معينة, كالمساجد والمدارس والأربطة والمستشفيات وغيرها.
أما المسألة الثانية: فهي أنواع الوقف من حيث اعتبار محل الموقوف وفيه ثلاثة أفرع هي:
الأول: وقف العقار وهو الثابت الذي لا يمكن نقله ويبقى على هيئته كالمباني والمزارع والأراضي.
الثاني: وقف المنقول وهي ما يمكن نقله من مكان لآخر كالمركبات والحيوانات وغيرها.
الثالث: وقف النقود وهي ما كانت قيمة ويدخل فيها النقدان الذهب والفضة والأوراق الائتمانية. (العمر, 1414هـ)
وأما الحكمة من مشروعية الوقف في الإسلام فمتعددة ومن أهمها كما أوردها (قحف,1997م) ما يلي:
1.  الوقف يختص بميزة الدوام والاستمرارية من بين باقي الصدقات فيتيح الفرصة للفرد المسلم أن يترك أثراً من الآثار وعملاً صالحاً يسجل له في سجل الحسنات حينما ينقطع عن دنياه.
2.  العناية بالمساجد وإعمارها والمحافظة على تجهيزها ونظافتها ورزق القائمين عليها من الأئمة والمؤذنين والخدم وحلقات التحفيظ للقرآن الكريم ودور تعليمه ومكتباته.
3.  إثراء الحركة العلمية ودعمها وإقامة دور العلم من المدارس والجامعات والمعاهد وصرف أجور المعلمين والمعاونين لهم ومكافأة المتميزين من الطلبة وتشجيعهم على ذلك.
4.  إحياء التكافل الاجتماعي في المجتمع الإسلامي من خلال العناية بالأيتام والأرامل وذوي الاحتياجات الخاصة وبناء مجتمع متكاتف ومترابط قائم على صلة الرحم والأقارب والمعوزين منهم.
5.  دعم القوات العسكرية المرابطة في ثغور الإسلام في عصر صدر الإسلام وقوته وفي عهد فتوحه ودعوته للأمم المحيطة به في شرق الأرض ومغربها من خلال توفير الذخيرة والسلاح وإعاشة الجند وعلاجهم ونقلهم ومنحهم أجوراً ومصاريف لأسرهم من خلفهم.
إن المتعمق في دراسات الأوقاف وأبعادها وما تعود به من مصالح عامة، وخاصة على المجتمع بمختلف طبقاته وفئاته ليجد أن هذا الأسلوب الاقتصادي الإسلامي يحقق أهدافًا عليا تمس الإسلام وتلامس احتياجات شعوبه, ذلك أن الوقف أصبح رافداً مهماً في تنمية المجتمعات وفي الرقي بها في كل مجالاتها الدينية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية والعسكرية. كما أن الوقف يبعد عن كاهل الحكومات المصاريف المستمرة على تلك الأربطة والمنظمات وأجور العاملين بها وصيانتها وتوسعتها, ما يحقق توافر السيولة النقدية بشكل مستمر دون رجوع للمخصصات المالية التي تدرج في الميزانيات السنوية والتي تتحكم فيها الأسعار العالمية والسلع الإنتاجية والأحوال الاقتصادية والسياسية التي تمر بها المنطقة وما يحيط بها من مناطق ساخنة.
المحور الثاني: تفعيل الوقف لصالح المنظمات الأمنية:
 تعد المنظمات الأمنية في الغالب منظمات تقوم على موارد مالية تخصصها لها حكومات الدول التي تعمل بها, وتتقيد بما خصص لها من مصاريف مالية بحسب بنود الميزانية السنوية التي تقرها وزارة المالية مع الجهات المعنية بدراسة مشروع الميزانية العامة للدولة, والتي تكون في العادة بأرقام أقل من الطموحات التي تقترحها المنظمات الأمنية في مطالباتها السنوية. ولأن الميزانية السنوية عندما يتم إقرارها يؤخذ في الحسبان الوضع الاقتصادي العام للدولة والظروف المحيطة بها, وأسعار السلع الرئيسة للدولة كسعر بيع النفط في المملكة العربية السعودية, ما يفهم أن الموارد المالية غير ثابتة وغير مستمرة, فقد تزيد في النادر، وقد تقل بحسب الميزانية العامة للدولة, وقد تصرف في وقتها، وقد تتأخر بحسب ظروف توزيع الميزانية بين القطاعات ومنها للمنظمات, والصرف من الميزانية العامة للدولة يخضع لبيروقراطية روتينية وفق إجراءات الصرف والدفع, مع أن الأحداث متسارعة والحاجة الأمنية ضرورية وطارئة غير متوقعة الحدوث.
 إن الوقف يمتاز بالاستمرارية في توفير موارده المالية لكونه يدار بفكر تجاري استثماري بعيداً عن الفكر الحكومي, وفيه سهولة في إجراءات الصرف المالية من إيراداته على الوجوه المخصصة له, وذلك لبساطة المستويات الإدارية والمالية بين متخذ القرار وبين معتمد القرار بالصرف وبين المنفذ في المستوى التنفيذي. كما أن الوقف أجمعت العصور الإسلامية على تخصيصه في أوجه البر وأبواب الخير, فيشتمل على المساجد والمدارس والمستشفيات والأربطة والثغور الإسلامية في حالة الحروب والفتوحات الإسلامية, وإنني أتساءل كيف يعمر مسجد أو تفتتح مدرسة أو يهيئ مستشفى في بلاد ليس بها أمن, هل يتوقع أن يتم ذلك الوقف؟ نعم إن المنظمات الأمنية تقوم بدور إنساني وواجب ديني ومسئولية اجتماعية وحماية وحفظ للكليات الخمس من الدين والنفس والعقل والمال والعرض, أما كان من الأولى أن تضرب للأمن ومنظماته بسهم في الوقف وصوره وأشكاله, أما كان من المفترض أن توقف الأوقاف على الأمن ومنظماته المهمة ليبقى الأمن فيمارس الفرد والمجتمع شعائرهم الدينية وواجباتهم الاجتماعية والثقافية.
 إن التوجه للجهات الشرعية والقانونية لإقرار الوقف من وجهة فقهية وقانونية على الأمن وقطاعاته, على الأمن ورجاله, على الأمن ومهماته أصبح حاجة ماسة في الوقت الحاضر. (قحف,1997م) وإن الإعلان عن تأسيس أوقاف يعود نفعها على حفظ الأمن مطلب معاصر ليساعد الحكومة في تحمل جزء من تكاليف تلك المنظمات الأمنية. والتوجه إلى رجال المال والأعمال بعد وجود مسوغات شرعية وقانونية ومستندات نظامية لدعم مثل تلك الأوقاف وما تسعى له. وتأسيس مثل تلك الأوقاف على المنظمات الأمنية السعودية، ويكون في مختلف المناطق، وخاصة الحرمين الشريفين والمدن الكبرى؛ ليكون العائد السنوي والشهري مجزيًا. كما تخصص لها أوقاف في الدول المستقرة والجاذبة لرؤوس الأموال التي تتمتع باستقرار سياسي وحرية اقتصادية, وتخصص له إدارة تعنى بأوقاف المنظمات الأمنية باختلاف طبيعتها, فيكون منها أوقاف في العقار مثل: المباني والمزارع والأراضي, وأوقاف في المنقول من شركات نقل أو مواصلات أو مصانع وخلافها, وأوقاف في النقود وغير المحسوس كالأموال الائتمانية والحماية الفكرية والبرمجيات الحاسوبية، وما في حكمها وله إدارة شفافة ومردود مالي منافس ومستدام.
 المحور الثالث: الاستثمار: مفهومه وأهداف مشروعيته.
 يعد الاستثمار (Investment) أحد العوامل الرئيسة التي تدخل في تطور المنظمات، كما يسمح بإيجاد مواقع عمل جديدة، وكذلك مواكبة العصر وما جاء معه من تطور تكنولوجي وتقدم, وباعتبار الاستثمارات الفعالة تنمي الاقتصاد للدول , ما يوجب على الدولة أن تسهر على تنشيطها وتوسيعها بحسب أهدافها ومهامها والعمل على منح التسهيلات اللازمة لذلك عن طريق الإعانات المالية والقروض المختلفة للحصول على أفضل عروض التمويل وأيسرها.
 لقد تعددت التعاريف والمفاهيم المتعلقة بالاستثمار عند الكثير من الكتاب والخبراء الاقتصاديين إلا أن هذه التعاريف تتضمن الكثير من التشابه. فالاستثمار " هو ما يقوم على التضحية بإشباع رغبة استهلاكية خاصة وليس مجرد تأجيلها فقط كما هو الحال بالنسبة للادخار، وذلك أملاً في الحصول على إشباع أكبر في المستقبل" (الكلاوي,2008م).
 ويمكن تعريف الاستثمار بأنه: " ذلك الجزء المقتطع من الدخل القومي، والمسمى بالادخار والموجه إلى تكوين الطاقات الإنتاجية القائمة، وتجديدها بهدف مواجهة تزايد الطلب، وما دام المستثمر مستعدًا لقبول مبدأ التضحية برغبته الاستهلاكية الحاضرة يكون مستعداً أيضاً لتحمل درجة معينة من الأخطار." (عاطف,2012م,ص2)
 ونعرف الاستثمار بأنه: أسلوب اقتصادي يهدف للمحافظة رأس المال مع العمل على تنميته من خلال الدخول به في مشاريع  ذات جدوى اقتصادية, ودراسة علاقتها مع الأسواق القريبة والتأثيرات العالمية على الجوانب الاقتصادية والسياسية والاجتماعية, والحرص على خفض عنصر المخاطرة فيها وارتفاع عوائدها السنوية.
أهداف الاستثمار:
إن الهدف الرئيس للاستثمار هو توظيف الأموال المتاحة في اقتناء أو تكوين أصول بقصد استغلالها وتعظيم عوائدها, ومن ثم فإن مفهوم الاستثمار يتمثل في المقومات الآتية:
أ‌-  ‌الموارد المتاحة: المتمثلة في الأموال التي تتوافر من المصادر المختلفة.
ب‌- ‌المستثمر: هو الشخص الطبيعي أو الاعتباري الذي يقبل قدراً من الأخطار لتوظيف موارده الخاصة المتاحة وذلك بهدف الحصول على أكبر قدر من الأرباح.
ت‌- ‌الأصول: هي تلك الاستثمارات التي يوظف فيها المستثمر أمواله ممثلة في شتى الأصول كالعقارات ,والزراعة، والصناعة ,والتعدين، والخدمات الاستثمارية، ومحافظ الأوراق المالية وغيرها التي تنعكس آثارها على الإنتاج.
ث‌- ‌استخدام المدخرات في تكوين طاقات إنتاجية جديدة لعملية إنتاج السلع والخدمات والمحافظة على الطاقات الإنتاجية القائمة وتجديدها, مع العمل على زيادة رأس المال.(لطفي,2007م ).
المحور الرابع: الاستثمار لصالح المنظمات الأمنية:
 هناك جزء من المنظمات الأمنية تمتلك عقارات ومباني تمارس فيها مهامها, وقد تملك أراضي غير مستغلة, وفي بعض الأحيان تكون المنظمات الأمنية مستأجرة للدور التي تمارس فيها مهامها اليومية, خاصة عند تأسيس منظمة أمنية جديدة تقابل احتياج المجتمع لمهامها. وبعد ما استعرضنا في المحور السابق الوقف والحاجة التي تدعو المنظمات الأمنية للتوجه إليه, فإن الحاجة للموارد المالية لا تزال قائمة للمنظمات الأمنية لتساعدها في ممارسة مهامها وتأدية الأدوار المنوطة بها في المجتمع التي توجد فيه.
 ولطرح التصورات المناسبة لكي تستفيد المنظمات الأمنية من فكرة الاستثمار وتحقق عوائد مالية مجزية وعلى هيئة إيرادات مستمرة تعطي صفة الاستدامة للموارد المالية. وقبل اعتماد الفكرة الاستثمارية يلزم تخصيص قسم خاص لإدارة تلك الاستثمارات بفكر تجاري استثماري بحت. وهناك عدد من الصور التي تساعد الجهات المكلفة بتنظيم مثل تلك السياسات الاستثمارية على استخدامها بعد دراسة جدواها الاقتصادية والمالية لإقرارها وتنظيمها بقوانين وأنظمة تؤطر عملها وتراقبه. ومن تلك الصور ما يلي:
•  اهتمام الحكومة في تخصيص أراضي للمنظمات الأمنية، وفي مواقع حيوية وداخل النطاق العمراني في مختلف المحافظات والمناطق, وإلزام الأمانات والبلديات بوضع ذلك في أولياتها في المخططات الحكومية والأهلية.
•  إنشاء المباني والمساكن بالشكل العصري على الأراضي المملوكة للمنظمات الأمنية خاصة ما كان منها في مواقع استثمارية وتجارية وعرضها للتأجير عبر المزادات العلنية.
•  تأجير الأراضي الخام المملوكة للمنظمات الأمنية سواء أكانت أراضي داخل المدن أو على طرقاتها السريعة أو على السواحل البحرية حتى تظهر الحاجة لها, بنظام التأجير طويل الأجل عبر مزادات التأجير العلنية.
•  الاستثمار الدعائي عبر تركيب اللوحات الإعلانية والدعائية المنضبطة على جدران وأسوار المنظمات الأمنية، وخاصة ما كان منها على شوارع رئيسة أو ساحات عامة.
•  تأجير المنافع أو جزء من الممتلكات للغير كالتأجير لمواقع اللوحات الإعلانية أو أبراج شركات الاتصالات أو الكهرباء أو الغاز أو المياه وما في حكمها من شركات تقدم خدمات مقابل رسوم من المستفيدين.
•  الاستثمار في خصخصة بعض المهام الأمنية وتسليمها للقطاع الخاص, كأعمال السلامة والإطفاء من الدفاع المدني, وأعمال المخالفات المرورية وضبطها داخل المدن وخارجها بدلاً من ادارات المرور وأمن الطرق, وأعمال تحضير الخصوم والمتهمين والمطلوبين والقبض عليهم بدلاً من أفراد ادارات الشرطة والمباحث والمخدرات, وأعمال المراقبة والملاحظة للجهات الحكومية والخاصة والأسواق والمتنزهات والأحياء العامة والمحافظة على الأمن والسكينة العامة بدلاً من ادارات الدوريات الأمنية, وأعمال التدريب والتجنيد للأفراد العاملين بالقطاعات والمنظمات الأمنية بدلاً من إدارات التدريب ومراكزها, وأعمال التحليل والمختبرات بدلاً من ادارات الأدلة الجنائية, وأعمال تراخيص بيع الأسلحة والمتفجرات بدلاً من إدارات الأسلحة والذخيرة, وأعمال الحبس والإيقاف بدلاً من ادارات السجون, وأعمال الحراسة للمنشآت الحيوية بدلاً من ادارت أمن المنشآت, وغيرها بحسب ما قد يستجد.
•  تأجير محلات الخدمات العامة عبر مزادات عامة كمراكز التصوير وخدمات الطالب, والبوفيهات والمطاعم, والبقالات, وغيرها من محلات تجارية تخدم العاملين بالمنظمات الأمنية وزوارها من مراجعين وغيرهم.
كل تلك الصور يمكن الاستفادة منها لغرض مهم هو استدامة الموارد المالية للمنظمات الأمنية.
المبحث الرابع: استخدام أساليب هندسية وتنظيمية حديثة مع الموارد المادية للمنظمات الأمنية.
 المنظمات الأمنية كغيرها من المنظمات التي تعتمد على الموارد المادية خلاف اعتمادها على الموارد البشرية والموارد المالية في تسيير مهامها وتحقيق رسالتها وأهدافها. ذلك أن الموارد المادية هي ما تشتمل عليه المنظمة من منشآت بكامل مبانيها ومرافقها ومكاتب بكامل تجهيزاتها وأثاثها المكتبي وما بها من مركبات وسيارات وأسلحة وغيرها من أشياء ملموسة, ما يتطلب وجوده في المنظمات الأمنية بحسب تخصصها الوظيفي. وهذه الموارد متعددة ومختلفة بحسب طبيعة عمل المنظمات وبحسب موقعها الجغرافي والتركيبة السكانية للمجتمع الذي تعمل فيه وبحسب البيئة التنظيمية والمتغيرات المصاحبة لها من سياسية واقتصادية وثقافية.
 في هذا المحور يتطرق الباحث للموارد المادية الأكثر أهمية في المنظمات الأمنية, وستكون في أربعة محاور هي: الإنشاءات والتشغيل لمنشآت المنظمات الأمنية. والمعدات والمركبات في المنظمات الأمنية. والوسائل التقنية وأجهزة الاتصالات. والوسائل والعدد الأمنية المتخصصة. والطرق والأساليب الحديثة التي يمكن بها جعل تلك الموارد أطول عمراً وأعلى جودةً لتحقق الاستمرارية والاستدامة.
المحور الأول: الإنشاءات والتشغيل لمنشآت المنظمات الأمنية.
 الإنشاءات المدنية والمباني ضرورة أمنية وإدارية للمنظمات الأمنية الدائمة لتمارس فيها أدوارها المنوطة بها, وتقدم من خلالها للمجتمع أهدافها وتحقق غاياتها. وإن كان هناك بعض المنظمات الأمنية المؤقتة أو الطارئة التي تؤسس لتحقيق هدف وقتي لمدة محددة أو موسم محدد, وهذه المنظمات الأمنية المؤقتة قد لا تتطلب مثل تلك المباني والإنشاءات.(توفيق,2008م) وهنا سوف يتم الحديث عن المنظمات التي تمتلك الإنشاءات، أما المنظمات التي تقيم في إنشاءات مستأجرة من الغير، فهذه لا يشملها المحور لعدم الجدوى المالية والمادية من بقاء المنظمات الأمنية أو غيرها في الإنشاءات المؤجرة. ولما تتكفل به المنظمات عامة من ميزانية ترصد لإقامة تلك الإنشاءات والمباني التي تمتلكها المنظمات الأمنية, وما يلحق بها من مصاريف تشغيلية لها ولصيانتها الدورية., الأمر الذي يحتاج إلى إعادة النظر في توفير المصاريف المستمرة على مثل  هذه الإنشاءات. ومن هنا كان الوضع يستجدي الفكر لطرح صور جديدة تساعد المنظمات الأمنية في إيجاد طرق للإنشاء والتشييد والتشغيل والصيانة غير التقليدية وتضفي عليها الاستمرارية والاستدامة.
 إن عقود الإنشاءات التي تبنى على التأجير المنتهي بالتمليك أو الإجارة المنتهية بالتمليك (Closed-end leasing) هي شكل من الصور الحديثة, وهو عقد بين الدولة والقطاع الخاص بموجبه يقوم أحد المستثمرين المؤهلين بإنشاء مباني المنظمة وفق مخططاتها التي تريدها على أرض يملكها المستثمر أو تملكها الدولة وتسدد أقساطًا سنوية كإيجار لمدة عشر سنوات أو خمس ثم تؤول ملكيته بعد ذلك للدولة. والتي في تطبيقها على المنظمات الأمنية إيجابيات كثر منها: الأراضي تعود في الأصل لملكية المنظمات الأمنية, والتصميم المعماري والهندسي يتم وفق متطلب المنظمة , والإشراف الهندسي يكون من قبل المنظمات الأمنية منذ بداية التخطيط وحتى نهاية التنفيذ, لا تلتزم المنظمة الأمنية بميزانية الصرف المخصصة للإنشاءات ذات المبالغ العالية التي تطلب في فترة وجيزة لا تتجاوز سنتين بحسب عقد الإنشاء, ويكون سداد المبالغ المقدرة للمقاول كإيجار سنوي ولمدة عشر سنوات أو خمس عشرة سنة وفيه ميسرة على المنظمة الأمنية. يلتزم المقاول المنفذ بصيانة دورية مجانية لمدة عقد الإيجار, وغيرها من المزايا الإيجابية التي تحقق في النهاية الاستدامة للإنشاءات لأطول عمر ممكن وفق المعايير الفنية والهندسية. (الدبيان,2010م)
 إن عقود الإنشاءات التي تتم بموجب البناء والتشغيل ونقل الملكية (Building Operate Transfer ) وتختصر عادةً ب(B.O.T) هي شكل آخر من أشكال عقود الأشغال الحديثة التي  بموجبها تمنح الدولة أحد المستثمرين المؤهلين عقد إنشاء منشأة حيوية يتولى تشغيلها وإدارتها بعد الانتهاء منها لمدة امتياز معينة تتراوح عادة ما بين 30 أو 40 سنة وخلالها يتولى تشغيل المشروع بحيث يحصل من خلاله على التكاليف التي تحملها، بالإضافة إلى تحقيق أرباح من خلال العوائد والرسوم التي يدفعها مستخدمو هذا المشروع وبعد انتهاء مدة الامتياز يتم نقل المشروع بعناصره إلى الدولة، ومن ثم، فإن نظام B.O.T يعني وجود آلية تمويلية لإنشاء البنى الأساسية في مجتمع ما بعيداً عن موارد الدولة المالية. (الموسوعة الحرة -ويكيبيديا) وبذلك تكون المنظمة الأمنية هي مالك الأرض ومالك المنشآت ومشرفة على التصميم والتنفيذ وفق احتياجاتها, وتكون بأعلى مواصفات التقنية والتكنولوجيا, وقابلية المستثمر للتطوير للمنشآت بكل جديد يتطلبه عمل المنظمات الأمنية, وتوفر مواردها المالية وتستديم مواردها المادية من إنشاءات ومبانٍ.
المحور الثاني: المعدات والمركبات والدراجات.
 لن تقوم منظمة أمنية بمهامها ومسئولياتها المنوطة بها إلا بتوافر المعدات والمركبات والدراجات وما تشتمل عليه من مركبات وشاحنات وسيارات وعربات ودراجات بمختلف فئاتها. فهناك معدات مخصصة للحفر وشق الشوارع ومعدات لتعبيد الطرق ومعدات لنقل المياه ومعدات لنقل الجنود ومعدات لإنقاذ المحتجزين ومركبات كسيارات للدوريات وسيارات لنقل السجناء وسيارات لنقل المتهمين والمجرمين, وسيارات الإسعاف لنقل المصابين والمرضى, وسيارات لنقل المرحلين والمبعدين خارج البلاد, وسيارات لنقل المعامل والعينات والمختبرات, وسيارات لنقل المراسلات البريدية, وسيارات لنقل الإعاشة والتموين, ودرجات نارية للحراسات والدوريات والمواكب الرسمية.
 ولما تحتاج إليه المنظمات الأمنية من تلك المركبات والمعدات من مختلف الماركات، والموديلات الحديثة التي تتناسب مع ظروفها البيئية والمناخية والتضاريس الجغرافية, لتباشر به مهامها وتنجز به أعمالها في خدمة المجتمع وأفراده, فإن ذلك يتطلب من المنظمات الأمنية أعداداً كبيرة من تلك المركبات التي تتقادم عليها السنوات فتضطر الدولة لشرائها من وكلاء تلك السيارات بحسب المواصفات المطلوبة داخل البلاد, الذين يتمتعون بامتياز واحتكار لتوريد تلك الماركة من السيارات, وما يستفيده من مكاسب وأرباح سنوية. وبعد تقادم المركبات أي تجاوزها خمس سنوات تظهر مشكلاتها الفنية والميكانيكية والكهربائية, وقد يكون من أسباب ذلك تعدد السائقين لها من بين منسوبي المنظمة الأمنية واختلاف مهاراتهم وثقافاتهم في القيادة.(القريشي, 2004م)
 تلك المشكلات التي تؤثر في عمل المركبة، وتؤدي إلى تعطلها، ما يتسبب في دفع مصاريف صيانة مستمرة وتعمل على تقصير عمر المركبة العملي وتعطل المنظمة من تحقيق ما أوكل إليها. وعليه يتطلب الوضع إعادة النظر في سياسة الشراء المباشر من الوكيل بعد اعتماد الشروط المطلوبة, التي تتحمل فيها الدولة قيمة مركبات المنظمات الأمنية التي تتجاوز ملايين الريالات سنوياً, ولعل من إعادة النظر في سياسة الشراء للمركبات للمنظمات الحكومية وخصوصاً الأمنية منها أن تتعاقد الدولة مع الوكلاء والموزعين لتوفير سيارات ومعدات ودراجات بحسب مواصفات الاحتياجات المطلوبة, وأن تكون بعقود لكل خمس سنوات على نظام التأجير المنتهي بالتمليك وبأسعار منافسة، كما يتم استيرادها من دولة المنشأة, وذلك من باب تحمل الموزع دوراً اجتماعياً في دعم المنظمات الأمنية, وأن تكون صيانتها على الوكيل مجانية. وبهذا تكون المعدات والمركبات والدراجات مملوكة للدولة بعد خمس سنوات كأصول، ويمكن بعد الخمس سنوات عرضها في المزاد العلني, واستبدال مركبات حديثة الموديل بها وبالعقد نفسه, وعليها تكون المنظمات الأمنية قد أنهت موضوع المركبات والدراجات وتحمله الوكيل كمسئولية اجتماعية يكافئ عليها في زيادة تسهيلاته وتمديد ترخيص الوكالة معه. وبهذا نقول: إن الموارد المادية، وخاصة في المركبات والدراجات تم استمراريتها واستدامتها بمشاركة مع القطاع الخاص.
المحور الثالث: الوسائل التقنية وأجهزة الاتصالات.
 إن التقنية وأجهزتها دخلت كل منظمة حديثة, كما دخلت أجهزة الاتصالات بها، فأصبحت كالأوردة والشرايين في أجسام المنظمات الأمنية. ولما يعيشه العالم من طفرة في مجالات التقنية وتطورات في عالم الاتصالات وأجهزتها، كان لزاماً على المنظمات الأمنية مسايرة التطور والتحول التنظيمي الذي اندمجت فيه المنظمات. (حمزاوي,2008م) وإن ما تمتاز به التقنية والاتصالات هي التجديد المستمر والتغير الدائم لما في هذا السوق من منافسة وسعيٍ إلى إرضاء العميل. وفي الوقت نفسه هذه الميزة التي ذكرت هي عيب في الوقت نفسه على المنظمات الأمنية؛ لما تحتاج إليه من تغيير لبعض أجهزتها التقنية وأجهزة الاتصالات لتواكب التطور العام. ما يفقد الأجهزة عنصر الاستدامة ويحملها زيادة في المصاريف لكثرة التغيير والتحديث الذي يتطلب مقابلًا ماديًّا له.
 ولما تتطلبه المنظمات الأمنية من توافر لأجهزة الحاسب الآلي وملحقاتها من طوابع وكاميرات وماسحات ضوئية, وأجهزة الفاكس وأجهزة الهواتف والشاشات المرئية وأجهزة الاتصال السلكية واللاسلكية وأجهزة التفتيش للأشخاص والمركبات والحقائب, وأجهزة المراقبة والتصوير التلفزيوني، فإن استقطاب الكوادر البشرية المؤهلة في مجال التقنية والاتصالات هو العنصر الأهم في استدامة تلك الأجهزة بالمنظمات الأمنية (النمر وآخرون,2011م), كما أن توطين صناعة تلك الأجهزة مشروع إستراتيجي للدولة بشكل عام. وفيه توفير واستدامة لتلك الموارد المادية لكل المنظمات الحكومية. كما هناك صور تعاملات فيها شيء من الاستمرارية، لعل من أجودها الأسلوب الذي يقوم على عمل تعاقد مع أفضل مصانع أجهزة التقنية والاتصالات في العالم ليزود المنظمات الأمنية بأفضل الأجهزة التقنية وأجهزة الاتصالات القابلة للتطوير من المستخدم بحسب ما يطرح في السوق من برامج مستجدة وحديثة. ما يكسر احتكار المصانع لصناعة الأجهزة بنسخ متطورة تلغي الفائدة من الأجهزة السابقة بشكل شبه سنوي. كما أن عملية التدريب النوعي للموارد البشرية على استخدام الأجهزة التقنية والاتصالات وصيانتها الرمزية وبشكل مستمر فيه استمرارية لتلك الأجهزة ويسهل صيانتها والمحافظة عليها لأطول عمرٍ يمكن أن يخدمه الجهاز ويعمل لما جلب من أجله. وهناك صورة شبه تقليدية، وهي أن تقوم المنظمات الأمنية بعمل تعاقد مع المورد الوطني لتلك الأجهزة التقنية وأجهزة الاتصالات بموجب عقود تشغيل وصيانة مجانية مقابل التوريد لتلك الأجهزة عن طريقه ولمدة زمنية طويلة وهذه تؤكد صدق وجدية المورد والتزامه بما يطلب منه مع تقادم الوقت.
المحور الرابع: الوسائل والمعدات الأمنية المتخصصة.
الوسائل والمعدات الأمنية المتخصصة هي نوع من الموارد المادية التي تختص بها المنظمات الأمنية عن غيرها من المنظمات الأخرى لتساعدها على القيام بالأعمال المنوطة بها. ولما تحتاج إليه تلك الموارد المادية من تطوير وصيانة وإصلاح لنصل بها إلى مرحلة الاستمرارية أو الاستدامة في غالب الشأن. وإن تلك الوسائل والمعدات التخصصية تشتمل على أجهزة متخصصة للمنظمة الأمنية كأجهزة فض الشغب والاعتصامات, وأجهزة القبض والحبس, وأجهزة رفع البصمات وتصنيفها, وأجهزة رفع الآثار من مسرح الجريمة, وأجهزة الحماية والسلامة الشخصية والعامة, وأجهزة التنصت والاستماع والمراقبة, والأسلحة والمفرقعات بأنواعها. (القريشي,2004م)
 وهنا تحرص المنظمات الأمنية على اقتناء الوسائل والعدد المتخصصة في الأمن التي تشتمل على أفضل المواصفات وأجودها, وذلك لأن المنظمات الأمنية تهدف إلى وقاية المجتمع قبل وقوع الجريمة التي يسعى مرتكبوها إلى الحصول على أجهزة ومعدات تفوق ما لدى المنظمات الأمنية. وبهذه الطريقة تكون المنظمات الأمنية سباقة إلى التفوق على الخارجين على النظام بالحصول على كل منتج جديد يخدم الأمن ويحققه. ولعل مثل هذه الوسائل التخصصية تتطلب التدريب المستمر على استخدامها والمحافظة عليها, كما أن من استدامتها  عمل عقود ضمان وصيانة طويلة الأجل مع المصانع المنتجة أو مع الوكيل المحلي الأفضل. كما أن من استمرارية تلك الوسائل والعدد واستدامتها العمل على استثارة الأفكار وجلبها من العاملين الممارسين لمثل تلك الوسائل والعدد الميدانية الذين يعرف من خلالهم نقاط الضعف فيها ليعدل عليها لتواكب المناخ والطقس الذي تعمل فيه.
الخاتمة
في الختام أقدم عدداً من التوصيات التي استخلصتها من مجريات المباحث السابقة, وذلك حول الاستدامة للموارد البشرية والمالية والمادية بالمنظمات الأمنية والوسائل المناسبة لها في بلادنا الغالية المملكة العربية السعودية التي تتماثل مع الدول الغالية في الخليج العربي. ولما للمنظمات الأمنية من أهمية كبيرة في المجتمعات الخليجية عامة. والتوصيات وفق الآتي:
1)      الاستدامة لموارد المنظمات الأمنية تساعدها على النهوض بمواردها ومجتمعها وتحقق أهدافها, مهما كانت الظروف الاقتصادية والاجتماعية والسياسية غير مستقرة أو بمعنى أوضح ليست كما يجب, ففيها نقص عن الوضع المستقر.
2)      الاستدامة تتطلب من المنظمات الأمنية تضحية وتعاونًا في بداية العمل من الجميع, مع تسخير القدرات المتاحة واستغلالها بأكفأ صورة ممكنة.
3)      استنساخ ما سبق من أساليب وطرق يقترح العمل بها لاستدامة كل من: الموارد البشرية والموارد المالية والموارد المادية في المنظمات الأمنية ونقله إلى باقي المنظمات كالجامعات والمدارس والمستشفيات.
4)      أن الاستدامة لموارد المنظمات الأمنية يفتح باب إيراد مالي قد يستقطع منه للإيرادات العامة للدولة.
5)      أن الاستدامة في الموارد البشرية هي الأهم من بين تلك الموارد الثلاثة, فهو استثمار لرأس المال الفكري, الذي يكتسب من بعدها المعرفة والمهارة والسلوك المرموق الذي برقيِه تتوافر الموارد المالية ثم بعدها الموارد المادية.
6)      أن تطبيق مثل تلك الطرق في استدامة الموارد للمنظمات الأمنية يتطلب التطبيق التدريجي, الذي يقوم على اختيار أفضل المنظمات الأمنية القابلة لاستقبال مثل تلك الأفكار المتوقع قبولها والتناغم معها, ثم تطبق عليها وبشكل جزئي بحسب المواقع الجغرافية وتوزعها بها, ثم تقيم وتعدل حتى تصل للصورة والطريقة الصحيحة, بعدها يمكن تعميم الفكرة على المنظمة كاملة، ثم تنتقل إلى منظمة أمنية أخرى وهكذا.


المراجع
·      القرآن الكريم.
·      البشرى, محمد الأمين (2000م)، الأمن العربي المقومات والمعوقات، الرياض، جامعة نايف العربية للعلوم الأمنية.
·      توفيق, عبد الرحمن (2009م)،دبلوماسية القيادة بالذكاء العاطفي، القاهرة، مركز الخبرات المهنية للإدارة.
·      توفيق, عبد الرحمن (2008م)، إدارة الأمن والسلامة الصناعية.، القاهرة، مركز الخبرات المهنية للإدارة.
·      التونجي, محمد (2011م)، أخلاقيات المهنة والسلوك الاجتماعي، الأردن، عمان، دار وائل للنشر.
·      الجازي, فهد محمد (2004م)، مدى الاستفادة من خبرات الضباط المتقاعدين في مجال الأمن، رسال ماجستير غير منشورة, الرياض، جامعة نايف العربية للعلوم الأمنية.
·      الجحني, علي فايز (1408هـ)، الأمن في ضوء الإسلام، الرياض، مكتبة المعارف.
·      جولمان, دانييل (1998م)، الذكاء العاطفي، ترجمة ليلى الجبالي، الكويت، المجلس الوطني للثقافة والفنون والإدارة.
·      حامد, فيصل حسن (2015م)، التحديات التي تواجه الأجهزة الأمنية في المملكة العربية السعودية, جامعة نايف العربية للعلوم الأمنية, المجلة العربية للدراسات الأمنية والتدريب, المجلد31. العدد 63.
·      حمزاوي, محمد سيد (2008م)، السلوك الإداري والتنظيمي في المنظمات المدنية والأمنية، مكتبة الشقري.
·      أبا الخيل, سليمان بن عبد الله (2008م)، الوقف في الشريعة الإسلامية حكمه وحكمته وأبعاده التنظيمية والاجتماعية، الرياض، جامعة نايف العربية للعلوم الأمنية، مركز الدراسات والبحوث.
·      الدبيان, دبيان محمد (2010م)، الإجارة المنتهية بالتمليك، مقال صحفي، منشور بشبكة الألوكة الإلكترونية. www.alalukah.net تاريخ الاسترجاع 23/4/1437هـ.
·      راشد, أحمد يحيى (2005م)، العولمة والتنمية المستدامة، دبي إلى أين؟ جامعة القاهرة.
·      رشيد, مازن فارس (2003م)،الثقة التنظيمية في الأجهزة الحكومية في المملكة العربية السعودية، بعض المحددات والآثار، مجلة الإدارة العامة, المجلد 43, العدد3, الرياض، سبتمبر 2003م.
·      السكارنة, بلال خلف (2011م)، أخلاقيات العمل، الأردن، عمان، دار المسيرة للنشر والتوزيع والطباعة.
·      أبو سن, أحمد إبراهيم (1996م)، الإدارة في الإسلام، الرياض، دار الخريجي للنشر والتوزيع.
·      صقر, وسام محمد (2010م). الثقافة السياسية وانعكاساتها على مفهوم المواطنة لدى الشباب الجامعي، رسالة ماجستير، غزة، جامعة الأزهر.
·      الصميلي, أحمد علي (2015م)، القيم التنظيمية ودورها في إحداث التغيير التنظيمي، أطروحة دكتوراه غير منشورة، الرياض، جامعة نايف العربية للعلوم الأمنية.
·      الطراونة, تحسين أحمد (2012م)،الفلسفة الأخلاقية وعلم القيادة وتطبيقاتها في قيادة فرق العمل الأمنية، الرياض، جامعة نايف العربية للعلوم الأمنية، مركز الدراسات والبحوث.
·      عاشور, محمد الطاهر (2004م)، مقاصد الشريعة الإسلامية, الجزء الثالث، قطر، وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية.
·      عاطف, عبد الكريم (2012م)، مناخ الاستثمار وأهميته في جدوى الاستثمارات، اليمن، مركز الدراسات والبحوث اليمني.
·      العامر، عبد الله عثمان (2005م)، أثر الانفتاح الثقافي على مفهوم المواطنة لدى الشباب السعودي، ورقة علمية مقدمة للمؤتمر السنوي الثالث عشر لقيادة العمل التربوي السعودي، الباحة.
·      العزاوي, نجم عبد الله و جواد, عباس حسين (2013م)، الوظائف الإستراتيجية في إدارة الموارد البشرية، الأردن، عمان، دار اليازوري العلمية.
·      العساف, عبد المعطي محمد (2005م)، نظرية (I) للتفوق الإداري, نظرية الإدارة بالقيم الطريق إلى العالمية، الطبعة الأولى، عمان، دار وائل للنشر والتوزيع.
·      العمر, إبراهيم صالح (1414هـ). النقود الائتمانية وأثرها في الاقتصاد الإسلامي، الرياض، دار العاصمة للنشر والتوزيع.
·      القحطاني, عبد السلام (2014م)، سلوك المواطنة التنظيمية وعلاقته بالإبداع الإداري، أطروحة دكتوراه، الرياض، جامعة نايف العربية للعلوم الأمنية.
·      قحف, منذر (1997م). صور مستجدة من الوقف، ورقة علمية مقدمة إلى المؤتمر السادس لوزارات الأوقاف والشئون الإسلامية، جاكرتا، 1997م.
·      أبو قرعة, يعقوب يوسف (2012م)، القيم التنظيمية في الأكاديمية الفلسطينية للعلوم الأمنية وعلاقتها بالأمن النفسي لدى الطلبة، رسالة ماجستير، الرياض، جامعة نايف العربية للعلوم الأمنية.
·      القريشي, نايف حمود (2004م)،فعالية إجراءات أمن المنشآت الحيوية، رسالة ماجستير غير منشورة، الرياض، جامعة نايف العربية للعلوم الأمنية.
·      الكبيسي, عامر خضير (2011م)، الإدارة العامة الجديدة، مقوماتها, قيمها, قواها، الرياض، مؤسسة اليمامة الصحفية،
·      الكلاوي, محمد (2008م)، سياسة الاستثمار في الجزائر وخدمات التنمية، أطروحة دكتوراه، جامعة الجزائر.
·      لطفي, علي (2007م)، إدارة أزمة الاستثمار في ضوء التكتلات الاقتصادية العالمية، ورقة علمية مقدمة للمؤتمر السنوي الثاني عشر، القاهرة، جامعة عين شمس.
·      ماهر, أحمد (2012م)، إدارة الموارد البشرية، الإسكندرية، الدار الجامعية.
·      المطيري, حزام ماطر (2010م)، الإدارة الإسلامية المنهج والممارسة، الرياض، مكتبة الرشد ناشرون.
·      الموسوعة الحرة للمعلومات www.wikipidia.com تم الاسترجاع بتاريخ 19/4/1437هـ.
·         موقع أكاديمية التنمية المستدامة www.arabic-sustainability.com تم الاسترجاع بتاريخ 19/4/1437هـ.
·      موقع وزارة الداخلية www.moi.gov.sa تم الاسترجاع بتاريخ 23/4/1437هـ.
·      النمر, محمد, وخاشقجي, هاني, و محمود , محمد, وحمزاوي, محمد (2011م). الإدارة العامة الأسس والوظائف والاتجاهات الحديثة, الرياض، مكتبة الشقري، ط7.
·         النيسابوري, أبو بكر محمد. (2003م)،صحيح ابن خزيمة، الناشر، المكتب الإسلامي.
·         النيسابوري, مسلم بن الحجاج. (1330هـ) صحيح الإمام مسلم، الناشر، دار إحياء التراث العربي، بيروت.
·      هال, ريتشارد (2001م)، المنظمات هياكلها عملياتها ومخرجاتها، الرياض، معهد الإدارة العامة.
·      الهلالي, سعد الدين مسعد (2006م)، المهنة وأخلاقها، الطبعة الأولى، الكويت، جامعة الكويت.

·      Decenzo ,David A .and Robbins ,Stephen P(1999). "Human Resource Management" (New York, John Wiley, and Sons, INC).

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق