عندما نسود العالم في إرهاب الشوارع**
إن المسافر ما إن يحط في بلد يزوره لأول مرة ويغادر صالات إحدى منافذه
إلى أروقة الشوارع والمواقف المحيطة به, يسجل نظره مشاهدات المكان ويبرمج عقله
سلوك الإنسان, فتتكون لديه النتائج كمؤشرات تؤكد له, هل بالبلد نظام يديره فيحفظ
المسافر مسيره, أم هي العشوائية والثقافات الخاطئة التي تديره فيكون شعار الزائر
هذا بلد بلا نظام فلا نعيره أي اهتمام. فيتمادى الوافد وتعرفون عندما يكسر الوافد
حواجز الأنظمة, كيف يكون حاله؟ وأما المواطن المخالف، فذلك الذي فتح الباب على
مصراعيه لكل مختلس ومقتنص للهفوات ليجعل منها صولات وجولات, فأهدر مقدرات الوطن
بحجة غيري يعمل ذلك, وأتلف ممتلكات العامة والخاصة فأصبح الكل متضرر وهالك.
إن المرور وأنظمته أول ما
يتعرف عليه الزائر أو العابر لأي بلد يمر به, فهو أول نظام بعد الدخول يصادف كل
قائد مركبة وكل راكب وسيلة , هو أول نظام يعاقب المتجاوز وينبه المتغافل, هو أول
نظام يلمس منه المواطن والوافد قوة السلطة وحزم القائمين عليها في بسط النفوذ. ونحن
في المملكة العربية السعودية لدينا نظام مروري طور بعد أن تقادم عليه الزمان
واعتمد تطبيقه منذ بضع سنوات, فشملت مواده ما يتعلق بالتنظيم الإداري والقانوني
والمالي لكل ما له علاقة بالمركبة والسائق والطريق, ولكن الإخفاقات التي نعايشها
وللأسف في شوارعنا وعلى مركباتنا تجعلنا ننادي بإعادة النظر في التطبيق الميداني
وبالعناصر التي تمارس تطبيقه في مدننا وشوارعنا.
المشاهد في شوارع المدن الكبرى يندى لها الجبين,
مقاطع الفيديو التي تتناقلها الهواتف الذكية لبعض العابثين في الشوارع تدمي العيون
كما أدمت الأرصفة بالجثث والشجون, قصص في المنتديات والمجالس تقتلع الآهات من
الصدور كما تقتلع الحوادث أعمدة الشوارع وجدران القصور. كم نادى المهتمون بتطبيق التأمين
لحل مشكلات الموقوفين بالسجون لتسببهم في حوادث مرورية تحملوا من أجلها مبالغ
مالية؟ ولكن ليتها لم تسمع نداءاتهم, أو جعل لها ضوابط أكثر حزماً. فقد أصبح
التأمين عامل تهور لسائقي الشاحنات وسالكي الطرقات فلا يهتم إن تسبب في حادث أو
شارك في وفاة, فالتأمين سيدفع!. إن العقوبة البدنية والحبس لهما أكبر الأثر في الإصلاح
والتقويم, فلو أن الشاب العابث من شباب الوطن الذي جعل من القيادة الجنونية تسلية
وترفيهًا أو الوافد المتهور الذي أطلق مركبته بسرعتها ليجمع بها أكبر قدر من المال
ولم يهمه ما تحصده من أرواح علم بأن عقوبة التوقيف أو سحب المركبة أو مصادرتها
تنتظره لحسب لكل خطوة ألف حساب, ومما زاد الطين بلة الواسطة المقيتة وما تفعله من
إعفاء المخالف وإخراجه من عقوبته, رغم تصنيفها من قبل الهيئة الوطنية لتعزيز النزاهة
ومكافحة الفساد من احدى مظاهر الفساد, ولكن أين مكافحة الفساد والمفسدين؟.
إن من المعيب أن نشاهد صورًا من الاستهتار
بالأمن ورجاله, فلا يكترث شباب التفحيط برجل المرور ودوريته, فقد يتجرأ عليه
ويصدمه إن لزم الأمر والحوادث بأقسام الشرط والمرور تؤكد ذلك, بل سيارات تجوب
الشوارع طمست هويتها ونزعت لوحتها وغيرت معالمها, وسيارات جديدة لا أعلم بأي ذنب
مزقت وصدمت بتعمد وفخر من قائدها, أصوات الإزعاج من عجلات سياراتهم تتعالى, وأصوات
مسجلاتهم بالمخالفات والإزعاج تتمادى, إشارات مرور لا تحترم أو تعطى الأولية, ودوارات
يهجم عليها فيعبر المقدام ولا يلتف لمن له الأحقية, تتفاجأ بشاحنة مسرعة تقطع الإشارة
الحمراء مع سبق الإصرار بالعبور, وتتفاجأ والحقيقة أصبحنا لا نتفاجأ بمثل تلك
المخالفات المرورية لأنها أصبحت هي المألوف, والنظام يجعلك أيها العاقل تفكر هل
هذا عبور أم وقوف؟
أيها المسئول في المرور... هل تشاهد ما نشاهده
في شوارع الرياض وجدة والطائف وخميس مشيط ومكة المكرمة والدمام وجازان وغيرها من
مدننا الحبيبة؟ لا أبالغ إن قلت إرهاب شوارع وترويع للسالكين وتجاوز لحدود السرعة
وتعمد للصدم في الطرق السريعة. هل تعلم كم معدل وفيات الحوادث يومياً في السعودية؟
هل تعلم كم معدل الإصابات والإعاقات يومياً بسبب الحوادث المرورية في السعودية؟ هل
تعلم كم تتكبد الخزينة العامة من مصاريف للعلاج والتأهيل؟ وكم تصرف للمشاريع
والطرقات من مليارات؟ فعلاً أرقامنا جعلتنا نعتلي القمة العالمية... ولكن في ماذا؟
فاللبيب بالإشارة يفهم.
*مستشار اداري وامني
د/عبدالسلام النهاري
**نشر المقال بصحيفة العرين الالكترونية بتاريخ24مارس2015م
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق