الأحد، 28 مايو 2017

مقال صحفي بعنوان (التعليم والثقافة إلى أين يا وزير التعليم؟)

التعليم والثقافة إلى أين يا وزير التعليم ؟**

   إن الطالب يقضي في المدرسة معظم نهاره, يقابل معلمين حُملت أعناقهم رسالة سامية, هي ما ورثها الأنبياء والرسل في أممهم , ويقابل إدارييِن ومشرفين وموجهين يتشاركون مع المعلمين في نقل ثقافة قبل نقلهم لعلم من جيلهم إلى جيل قادم تبنى عليه أحلام وآمال لرفعة وتنمية الوطن والمواطن. كذلك يتعايش الطالب ويتبادل الأفكار والقيم ويتناقل الأحداث والتجارب مع شريك القاعة أو زميل الطاولة, ذلك الطالب الذي حضر إلى الفصل ومعه ثقافة وتربية غرستها فيه أسرته وحيه وشارعه وبيئته التي يعيش فيها, فكل طالب يمتزج سلوكه بما يراه من تصرفات وسلوك لمعلمه أو لزميله إن خيرًا فخيروإن شرًا فشر.
   إن المدارس لديها مهمة صعبة  في الارتقاء بمستوى ثقافة أبنائنا أكثر من مستوى تعليمهم , فكيف تجعل من هذا الجيل جيلًا مثقفًا وليس فقط متعلمًا؟ . نعم ليس الغاية التعلم, فالثقافة معارف يكتسبها الطالب فتغير في سلوكه الذي يصدر منه وقيم يستقيها الطالب فتؤطر اتجاهاته التي تؤثر على أفعاله. أما التعلم، فهو تزويد الطالب بعلوم ليحقق رغباته وطموح أسرته لنيل شهادة عامة بمعدل تراكمي أو بمجموع درجات أو بنسبة مئوية مرتفعة , وقد يحصل على تلك النسب المئوية المرتفعة كما نعايشه اليوم في مدارسنا وعند دخولهم اختبارات القدرات والقياس والتحصيل نجد الغالبية لا تتجاوز المستوى المتوسط. ومع ذلك فليس كل مخرجات التعليم هم أولئك الطلبة الفارغة أدمغتهم وعقولهم, فهناك تعليم ينطلق منه قلة من الطلاب إلى مزيد من القراءة والاطلاع واتساع الأفق وزيادة المعارف التي تخلق ثقافة عامة محمودة ومع ذلك فهم في حاجة لبرامج تشجيعية لتكون القراءة مستدامة والثقافة عامة.
  إن الإحصاءات الأمنية التي تظهر عبر وسائل الإعلام منذ عقدين من الزمن, لتؤكد ارتفاع نسبة الجريمة والانحراف والعنف بين جيل الشباب وخصوصًا طلاب التعليم العام, كما أكد بعض الباحثين أن للبيئة التعليمية الحاضرة دورًا وسببًا في وقوع مثل تلك السلوكيات الشاذة والانحرافات ، فلم نشاهد الدور الملموس لإدارات التعليم في وضع خطط تربوية اجتماعية مانعة لمثل تلك السلوكيات الخاطئة, نريد أن يكون دورها رادعًا وهادفًا للارتقاء بثقافة طلابها خصوصاً مع تدني مستوى انضباط الطلاب في واجباتهم المدرسية وتأخر حضورهم اليومي للمدارس, و تقصير بعض المعلمين في دورهم التربوي, و الإهمال الملحوظ من أولياء الأمور في القيام بدورهم الذي أوجبه الدين والنظام, و طغيان القنوات الإعلامية من شعبية واجتماعية وبرامج التواصل الاجتماعي غير المنضبطة في بث الثقافات والأفكار الهادمة للتربية والمعيبة للأخلاق الناسفة للقيم, ما كان لتلك المسببات علاقة في استبدال ثقافة العلم والتربية بثقافة الجهل والانحراف.
  من هنا فإن الدور الرئيس يقع على عاتق وزارة التعليم  بمشاركة الوزارات ذات العلاقة لوضع خطط إستراتيجية  تعيد مركب تعليمنا إلى مرفئه الذي غادره منذ ثلاثة عقود, من تكاتف بين الأسرة والمدرسة في تربية وتثقيف الطالب, ومن تعاون بين إدارة المدرسة والإدارات الخدمية والاجتماعية والأمنية لتقويم وتعديل السلوك المنحرف, والعمل من خلال الحوافز المعنوية والنفسية والمادية وتفويض الصلاحيات للمعلم في تعامله مع أبنائه الطلبة لإعادة مكانة المعلم الاجتماعية التي سلبتها بعض القرارات التربوية السابقة. ولعل الأهم هنا أن يعاد النظر في مهنة التعليم فلا تكون وظيفةً لمن فاته قطار التوظيف أو خذلته معدلاته التراكمية , بل تكون مهنة استثنائية بمعايير عالية واختبارات تربوية واجتماعية ونفسية وثقافية مقننة مع الاختبارات التخصصية في مادته التي حصل على مؤهله الجامعي بها. ويقابل ذلك الاختيار الحسن اهتمامًا بالمخصصات المالية وبالهيكلة التنظيمية وبالمسار الوظيفي  الذي يضفي على التعليم وكوادره طابع التغيير بدلاً من الركون المميت, وطابع التنافس والجدارة بدلاً من الأقدمية والسنوية, لنرى مدارسنا بإذن الله منارات تشع منها الثقافة والمعرفة.
المستشار الاداري والامني
الدكتور/ عبدالسلام النهاري


**نشر بصحيفة العرين الالكترونية بتاريخ13 فبراير 2015م


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق